لنجود حياتنا - الباحث الاجتماعي Social Researcher

أحدث المشاركات

مدونة الدكتور/ عادل بن عبدالرحمن الخُضيري

الأربعاء، 25 ديسمبر 2024

لنجود حياتنا



مرحبآ،،،

كتب عن الجودة بأنها من التجويد وهو التحسين، ويقال جودت الشيء أي حسّنته وتجويد الشيء في لغة العرب هو إحكامه وإتقانه حيث يقال فلان جوّد الشيء أي حَسّنه وأجاده وأحكم صنعه وأتقنه.

واعلم عزيزي القاريء بأن الجودة ليست وليدة العصر الحديث بل إن مفهومها قديم ولها عدة استخدامات وفي مجالات مختلفة دينية كانت أم دنيوية، فقد وردت عدة نصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية ترتبط مدلولاتها بالجودة كقوله تعالى (وأحسن كما أحسن الله إليك) وقوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). ومن النصوص في السنة النبوية ما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقوله صلى الله عليه وسلم ( إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه). وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الإحسان على كل شيء...) إلى آخر الحديث.
هذه النصوص تدل على أن منهج الجودة ليس بغريب علينا فديننا الحنيف يحثنا على الجودة بمفردات متنوعة كالإحسان (ويصنف أنه من أعلى درجات الجودة) والاتقان والتجويد والاحكام، فالكثير منا قد يمارس الجودة في حياته اليومية بأساليب مختلفة وبدرجات متفاوتة، قد يكون بقصد وفق السلوك الواعي المخطط له المتسم بالتفكير العقلاني والمنطقي أو بغير قصد، ولكن في نهاية الأمر يشعر من ينتهجه كسلوك بارتياح كبير ورضا عن الذات، وهذا ما أشارت له نتائج عدد من الدراسات في هذا الجانب.
وتنقسم معايير الجودة لمعايير دنيوية وأخروية فالمعايير الدنيوية تتمثل في: الدقة والوضوح والاتقان والرغبة والاستمرارية. أما المعايير الأخروية فتتمثل في: شعور الإنسان بالمسؤولية والرقابة الإلهية لارتباط الأعمال بالجزاء والحساب. 
فالإسلام يعد منهجا متكاملا في الإصلاح والتربية والتغيير والتحسين والاتقان والنصوص في ذلك كثيره. كما يعد منهجا متكاملا في إصلاح الفرد وهو شامل لكل جوانب الحياة واهتمامات الفرد والامثلة على تطبيقات الجودة كثير لعلي اذكر منها مثال وهو الصلاة المفروضة. فجميعنا يجب أن نؤديها وفق معايير جودة محددة تتمثل في طريقة رفع اليدين عند التكبير والرفع من الركوع ودرجة الصوت عند القراءة واستقامة الظهر عند الركوع وموقع النظر عند السجود وموضع الأطراف في السجود وحركة الإصبع عند التشهد فالمسلم مطالب بعدة معايير تحقق الجودة في الصلاة والالتزام بتلك المعايير يعد اقتداءً بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويحقق بإذن الله تعالى الحصول على أعلى درجات الثواب.
كما تتجلى صور الجودة في عبادات أخرى كالإحسان الذي يعد مرتبة أعلى من الإتقان وإتقان الأعمال بشتى صورها وفي طريقة اخراج الصدقة وأداء مناسك الحج والعمرة وآداب الصيام وغيره الكثير.
ولا شك أن المنهج الإسلامي للجودة انعكس على عدة مجالات من مجالات الحياة الهامة كالتعليم والتربية والعمل والإدارة والتنظيم والعلاقات والاقتصاد وغير ذلك. 
كما وانصرف مفهوم الجودة إلى الجوانب الإدارية والتنظيمية حيث ظهرت معايير ومواصفات للجودة في المنتجات الصناعية والخدمات لتحقيق الرضا للمستهلك، حيث يسعى الجميع لاقتناء الأفضل والأحسن والاعلى جودة.
ومع التقدم والتطور التقني والإداري زادت المنافسة بين المنظمات وارتفع سقف توقعات المستفيدين وظهرت العديد من النظريات والمفاهيم الإدارية الحديثة التي تحث على الجودة بأنواعها وصولا الى الجودة الشاملة والتي تبرز كمدخل علمي وعملي لحل المشكلات الإدارية وتطوير الأداء وتحسين الخدمات وتحقيق رضا المستفيدين، حيث أصبحت إدارة الجودة الشاملة منهجا اداريا يسيطر على فكر الممارسين المهنيين في أغلب المنظمات.
والمتأمل للآثار الإيجابية للجودة على الفرد والمجتمع، فهي طاعة لله عز وجل، وطمأنينة الفرد وراحته تجاه ما قدم، وتحقق رضا الناس، وتماسك المجتمع ورقيه، وتعزيز القيم الإيجابية، بالإضافة لتعزيز الثقة بالنفس، وإني على يقين بأن القارئ الكريم يشاطرني أهمية هذه الآثار الإيجابية في حياتنا.
ولما يشكله موضوع الجودة من أهمية بالغة كونها تعد واجب ديني ومطلب وطني ومسؤولية الجميع، فقد تضمنت إحدى محاور رؤية المملكة ٢٠٣٠ الطموحة بقيادة سمو سيدي ولي العهد- حفظه الله - موضوع تحقيق الجودة ونشر ثقافة الجودة والتميز والعمل على تطوير الأفراد وتمثل ذلك عبر رؤية المجلس السعودي للجودة الذي يهدف لنشر مفاهيم الجودة والتميز المؤسسي في المملكة للرقي بجودة الحياة وازدهار المجتمع انطلاقا من قيمنا الإسلامية حيث تضمنت رؤية المجلس تحقيق الإتقان والتميز نحو تنمية مستدامة للمجتمع.
وختاماً أرجو أن يكون هذا المقال بمثابة دعوة وتذكير على انتهاج الجودة كسلوك في كافة جوانب حياتنا، بأن يتبنى كل فرد منا ذلك بنفسه؛ فهي مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق الجميع، وبما أننا في زمن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن الاستفادة منها في حث أفراد المجتمع على انتهاج موضوع الجودة ونشرها عبر المنصات الاجتماعية المتنوعة، لما تكتسبه هذه المنصات كأداة تمكين لنشر الوعي والمعرفة وما لها من دور هام ومؤثر على الثقافة المجتمعية.

وأخيراً أذكركم بقول الله عز وجل (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيٌكم أحسن عملا).

قراءة مُثرية ودُمتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بك.

أحدث المشاركات

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

عن المدونة

author SOCIAL RESEARCHER مدونة الدكتور عادل بن عبدالرحمن الخضيري