نظرية المعرفة للعالم (كارل بوبر) - الباحث الاجتماعي Social Researcher

أحدث المشاركات

مدونة الدكتور/ عادل بن عبدالرحمن الخُضيري

الأحد، 9 فبراير 2025

نظرية المعرفة للعالم (كارل بوبر)

 


مرحبآ 

إيماناً مني بأهمية مشاركة المعرفة أشارككم هنا موضوع عن نظرية المعرفة للعالم كارل بوبر، وسنتعرف على علم اجتماع المعرفة ماهيَّته وتَعريفه وخصائصه وآليات اكتساب الإنسان للمعرفة وأنواع المعارف الاجتماعية، وخطوات الوصول للمعرفة، ومصادر المعرفة، وهذه المحاور في غاية الأهمية حيث نستطيع التعرف من خلالها على أهمية علم اجتماع المعرفة.

فمن هو كارل بوبر: (KARL POPPER)

يعد من أهم فلاسفة القرن العشرين الذين يتوقف عندهم تاريخ الفكر الفلسفي بصفة عامة وفلسفة العلم بصفة خاصة، وهو فيلسوف نمساوي "إنجليزي" متخصص في فلسفة العلوم، وهو صاحب العقلانية النقدية في فلسفته التي قامت على فكرة مؤداها أن النظرية التي لا يمكن تنفيذها لا تعد نظرية علمية، وقامت فلسفة بوبر على معيار واحد هو التكذيب المستمر للنظرية ويرى أن المعرفة العلمية هي معرفة موضوعية وليست ذاتية، وبالإضافة لتكذيبه المنهج الاستقرائي كونه منهج انتهى دوره في قائمة المناهج العلمية(جمول،2011م:85).

علم اجتماع المعرفة:

يُعد علم الاجتماع المعرفي فرعاً من فروع علم الاجتماع العام، ويشترك في اهتماماته مع فروع معرفية أخرى مثل علم النفس والفلسفة، ويرتكز على مسلمة أساسية هي وجود علاقة جدلية بين الفكر والواقع الاجتماعي؛ أي بين الوعي والوجود الاجتماعي)الأنترنت3).

المعرفة(Knowledge) تعني كلمة معرفة عرف الشيء أي أدركه بالحواس أو بغيرها، فالمعرفة إدراك الشيء وتصوره.

وللمعرفة درجات متفاوتة أدناها المعرفة الحسية الشخصية وأعلاها المعرفة العقلية المجردة، وتطلق المعرفة على معنيين أساسيين هو الفعل العقلي الذي يدرك الظواهر ذات الصفة الموضوعية والآخر يطلق على نتيجة الفعل بمعنى حصول صورة الشيء في الذهن(العمر، 2007م :130).

علم اجتماع المعرفة: يعرف بشكل عام بوصفه دراسة العلاقات الوظيفية التي تنشأ بين أنواع المعرفة وأشكالها من جانب، والأطر الاجتماعية والمجتمعات والطبقات الاجتماعية والعلاقات الميكروسوسيولوجية من جانب آخر(الخواجة، 2014م: 16).

وقد أكد (أميل دوركايم) على حقيقة أن علم اجتماع المعرفة هو الذي يحلل الأنساق الاجتماعية للفكر في الزمان والمكان، كما أنه يركز على نمو الأفكار وبناء المعرفة والوعي، ويحلل أنماط التنظيمات الاجتماعية ويفحص الأيديولوجيات الدينية والسياسية والخطابات الثقافية وتحليل الممارسات المعرفية(الخواجة، 2014م: 17).

ومن الأهمية أن أشير أن علم اجتماع المعرفة يهتم بالمعرفة الاجتماعية التي تم انتاجها في ظل مكونات اجتماعية واقتصادية مختلفة ولم يهمل الذات الانسانية التي تولد المعرفة وتتأثر بالظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة، وذلك هو نوع من الاهتمام بالعلاقة الجدلية بين الذات والمعرفة والسياق الاجتماعي.

كما أن علم اجتماع المعرفة اهتم بالجانب العقلي للإنسان وما ينتجه من أفكار ومعتقدات وعقائد وخرافات، وتعكس الحياة الاجتماعية طرح الانسان على شكل أفكار وصور ذهنية رمزية ذات دلالة لمعنى الحياة العامة بمعنى ترجمتها لأفكار وليس سلوك، فعلم اجتمع المعرفة يدرس الحقيقة الفطرية والتفكير العقلاني والأحداث العقلانية ليكتشف زيف الواقع الزائف والتفكير اللاعقلاني والمعتقدات الخيالية غير الواقعية(العمر،2007م: 31).

كما يقوم علم اجتماع المعرفة على أساس عدد من المسلمات الأساسية والتي تتمثل بأنماط التفكير وأن التفكير ليس صنع فرد وإنما جماعة وله طابع جماعي حيث أن الفرد يتحدث بلغة جماعته التي ينتمي إليها، كما يهدف إلى فهم الفكر في وضع عيني للموقف التاريخي الاجتماعي الذي يؤثر على نشأة الفكر، وأهمية الموقف الجماعي المعبر عن المواقف في المجتمع، وأهمية التركيز على انماط التفكير والسياق الاجتماعي بدون فصل بينهما، ولا بين النظرية الاجتماعية والتطبيق السياسي وأهمية الربط بينهما لمعرفة الوظيفة وحدود كل نظرية اجتماعية نشأتها وتطورها وزوالها(الخواجة، 2014م:22).

معوقات المعرفة: تنقسم إلى ثلاث أقسام هي:

1-               معوقات مجتمعية.

2-               معوقات تنظيمية.

3-               معوقات فردية.

ومن أمثلة المعوقات الاغتراب، والأمية، والتطرف، والبطالة، والتحيز الاجتماعي، والتعصب، والتربية الخاطئة، والإدمان على المخدرات، أو الإدمان على الحاسب الذي يتسبب بانشغال المدمن عن المعرفة العلمية(العمر، 2007م :150).

خصائص المعرفة:

1-               المعرفة فردية وجماعية، حيث تبدأ فردية وتتكون من تاريخ طويل للجماعات الانسانية ومن محيط المجتمع.

2-               المعرفة تطورية وتراكمية وثورية، وذلك يكتسب عبر المراحل التاريخية والتطور التدريجي والمعرفة المتصاعدة.

3-               المعرفة امبريقية ومعيارية، ومعنى امبريقية أي تكون قائمة على الحدس والتجربة ومعرفة الاشياء على حالتها، ويقصد بمعيارية هي المعرفة كما ينبغي أن تكون القائمة على الاستدلال المنطقي.

4-               المعرفة صريحة وضمنية، الصريح هو الواضح والضمني يقصد به النصوص الكامنة في عقول الخبراء.

5-               المعرفة نظرية أو إجرائية، والنظرية تعني الوصف والإجرائي أي التطبيقي(الخواجة، 2014م:25).

ويضيف (العمر،2007م :36) خاصية بأن علم اجتماع المعرفة ينظر إلى الحقائق الاجتماعية على أنها نسبية وليست مطلقة -حتمية- لأن عقل الإنسان قاصر في تفكيره فيمكن أن يخطأ، لأنه إنسان يتكون من أحاسيس وعواطف ومشاعر تتفاعل مع الأحداث الاجتماعية.

وهناك الكثير من التعارض مع رأي النسبية من جانب العقلانيين لأن النسبية تهدد العقلانية وتجرح المنطلقات العلمية، إلا أن ما يقال عن تعارض لا يقلل من أهمية النسبية فهي أحد متطلبات المعرفة الاجتماعية وذلك لأن الواقع الاجتماعي نسبي وليس مطلق أو حتمي وكذلك العديد من العلوم الإنسانية تأخذ بالنسبية على سبيل المثال علم الانسان الأنثربولوجي وعلم الاجتماع وتاريخ المؤسسات والأفكار وعلم النفس المعرفي(العمر،2007م: 45).

آليات الإنسان في اكتساب المعرفة:

تعدد الآليات التي تعد هي الخبرة المجتمعية للإنسان فالتفاعلات الاجتماعية والتفكير والإدراك والأحاسيس والاستدراك والدين، كل هذه آليات تعزز المعرفة والخبرة لدى الإنسان وتضيف له وتنمي إدراكه وأحاسيسه  لما يدور حوله في المجتمع ويستفيد منه بتكوين العلاقات والخبرات والتطوير للشخصية والسلوك الاجتماعي(العمر، 2007م:66).

وقد تحدث العالم (كارل بوبر) عن جزئية الإستدراك والذي جزءه الواقع الاجتماعي حسب قوله إلى ثلاثة أجزاء:

الأول منها الجانب المادي والثاني الجانب العقلي والثالث الجانب الإدراكي ويكون الرباط الأكبر بينهم هو العقل إذ يعتبر عقل الإنسان هو المدرك لما يعيشه الإنسان من وقائع مختلفة وأحداث ومشاكل، يكون فيها العقل هو المنظم والمستدرك لها(العمر،2007م: 94).

هناك عدة أنواع للمعارف الاجتماعية، وهي:

1-               المعرفة الاجتماعية الاولية للفرد، وهي ما يكتسبه الفرد من خلال حياته اليومية لما يدور حوله في مجتمعه وبيئته وأسرته.

2-               المعرفة العامية، هي مجموعة مشاعر وأحاسيس يحملها الإنسان.

3-               المعرفة المصطنعة، وتتمثل بالأساطير والتراث واللغة الشعبية المتداولة بين الأفراد ومنها الأشعار، والمعرفة الدينية، والفلسفية والوضعية من العلوم الطبيعية أو الرياضيات والعلوم والمعرفة التكنولوجية.

4-               المعرفة الضارة، بالتعرف عما هو مضر بالحياة الاجتماعية، وتكتسب هذه المعرفة بالوعي والخبرة، والممارسة.

5-               المعرفة المستجدة في الافساد والإضرار، ويقصد بالمستجدة أي ما هو جديد في عصرنا الحاضر من تقنية وظواهر حديثة مضرة بالمجتمع ولها صفة الأنشطة الاجرامية أو المفسدة.

6-               المعرفة الفلسفية، ويعني بها تجاوز النواحي المادية والاجتماعية من الحياة الاجتماعية من أجل كشف أسرار الكون وخفاياه.

التمييز المعرفي: ينقسم إلى فئتين وهي:

1-               المعرفة الأولية وهي المعرفة المستقلة عن كل تجربة، وتتميز بأنها ضرورية لا يتخطاها الإنسان أهميتها، وأنها شمولية لا تقبل الاستثناء.

2-               المعرفة البعدية وهي المستمدة من التجربة، وتعتمد على الحواس أو قد يلجأ الانسان لأدوات العلم(جميل، 2012: 18).

خطوات الوصول إلى المعرفة:

1-               فهم الفكرة الموضوعية والتفكير.

2-               التسليم بصدق الفكرة الموضوعية والقيام بالحكم.

3-               إظهار هذا الحكم وتقريره(جميل، 2012: 344).

مصادر المعرفة:

1-               المعرفة التجريبية، بالإدراك الحسي بالحواس والخيال.

2-               المعرفة الحدسية والتصورات والاستنتاجات(جميل، 2012: 348).

 

تصور بوبر عن منهج العلم

يتضمن منهج العلم لدى بوبر في مرحلتين يعبر فيها عن موقف واحد، المرحلة الأولى: رفضه للاستقراء مبدأً ومنهجاً وبيان سبب هذا الرفض، والمرحلة الثانية: تتضمن عرضا لتصور بوبر عن المنهج العلمي والقواعد المنطقية التي اقترحها كبديل للاستقراء، كما حاول بوبر أن يقيم تمييزا بين القضايا العلمية وغير العلمية أو بين العلم الحقيقي والزائف وقد تناول تلك الموضوعات بالتحليل من خلال نظرية الإدراك العام وآراء هيوم عن المشكلة(قاسم، 1986م:128).

 

تعريف النظرية العلمية:

تعني كلمة Theory نظرية والنظرية بشكل عام هي نوع من المعرفة العقلية الخالصة التي توضح الأشياء والظواهر توضيحاً لا يعول على الواقع، وبمعنى أكثر دقة وحداثة فإن النظرية تعني مجموعة من القوانين العلمية والمبادئ والقضايا العامة المرتبطة ارتباطاً منهجياً ومنطقياً والتي تفسر وتحلل الظواهر والحقائق المترابطة والمتصلة موضوعياً، والتعميمات التجريبية المتصلة(قاسم، 1986م:161).

كما أن معنى النظرية واستخداماتها  تختلف بتعدد اتجاهات الدارسين وقد استطاع "LACEY " أن يجعل معاني النظرية في أربع محددات:

1-               قد تكون النظرية فرضاً واحداً أو عدة فروض أو قضايا وتعد ذات طابع تأملي في هذه الحالات.

2-               قد تكون قانوناً عن أمور غير مشاهدة، مثل التطور.

3-               قد تكون نسقاً واحداً من القوانين أو الفروض، ويكون قوة تفسيرية.

4-               قد تعني النظرية مجال دراسة محدد، وعلى سبيل المثال أن يقال نظرية المعرفة.. وقد يحدث أن تشتمل على أكثر من معنى(قاسم، 1986م:159).

عرف بوبر النظرية العلمية:

 بأنها النظريات العلمية قضايا كلية وهي عبارة عن أنساق من الرموز والعلاقات، وأشار بتعريف آخر أن العالم يضع فروضاً أو أنساقاً من النظريات ثم يجري عليها اختبارات في مواجهة الخبرة مستعيناً بالملاحظة أو التجربة(قاسم، 1986م:160).

والتعريفان السابقان يشيران إلى حقيقتين أساسيتين هما : النظرية العلمية عند بوبر بأن لها لغة رمزية مجردة، وأن النظرية تأتي كفرض من وضع العالم وليست استقراء من الواقع، ومن ذلك نستنتج أن الحقيقتين تعكس موقف بوبر من الاستقراء كمنهج فاشل للحصول على النظرية، وأن الاستنباط بلغته الرمزية له الدور الأمثل في منهج العلم(قاسم، 1986م:161).

الإطار العام للنظرية العلمية عند كارل بوبر:

1-               التحقق من التأييدات لكل نظرية.

2-               التأكد من التأييدات فقد تكون خطيرة وتناقض النظرية.

3-               النظرية الأكثر حظرا وتحريما لما يناقضها هي الأفضل.

4-               النظرية غير القابلة للرفض لأي حادث نظرية غير علمية.

5-               كل اختبار للنظرية هو محاولة لتكذيبها أو لرفضها، حيث أن القابلية للاختبار تعني القابلية للتكذيب.

6-               لا يعتد بالبينة المؤيدة إلا اذا كانت نتيجة لاختبار حقيقي وتعتبر هامة كمحاولة لتكذيب النظرية وإن لم تنجح.

ويتمسك بوبر بمنهجه وتصوره للنظرية العلمية في مواجهة الاستقرائيين وذلك بقوله أنه عندما يتأكد كذب بعض النظريات المختبرة جيدا فإن بعض مؤيديها يظلون يتمسكون بها رغم ذلك(قاسم، 1986م:163).

 

نظرية المعرفة:

تعريف نظرية المعرفة: هي الابستمولوجيا وهي كلمة مشتقة من كلمتين يونانيتين هما  episteme وتعني المعرفة و logos  وتعني النظرية، وهي فرع من فروع الفلسفة والمعرفة الانسانية، وأنواعها وإمكانيتها ومصادرها وحدودها(جميل،2012م:11).

وتعرف بأنها حالة يدرك بها الإنسان غيره أو ذاته، وهي علاقة أحد جوانبها الذات العارفة والجانب الآخر موضوع المعرفة الذي تتجه إليه الذات العارفة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

تنشأ المعرفة عامة بين طرفي المعرفة بوصفها ثمرة التقابل والاتصال ومن مرادفات المعرفة (العلم والحكمة والحقيقة) وتعبر عن خليط من المعلومات والخبرات والتجارب والنظريات والإيديولوجيات والأخلاق(جمول،2011م:5).

آراء كارل بوبر عن العلوم الاجتماعية:

تأخذ العلوم الاجتماعية النسق الإيبيستيمولوجي لكارل بوبر ويتبادر للذهن ما هو مدى علمية العلوم الاجتماعية من وجهة نظر بوبر التي يرى أن معيار العلمية للنظريات العلمية مبدأها قابلية التكذيب أو الدحض بمعنى تكون النظرية علمية حين استنادها إلى نتائج وتنبؤات يمكن تنفيذها، ويرى أن العلوم الاجتماعية ليست علمية فقط بل أكثر من ذلك وهي تكشف أساساً عن اعتماد المنهج نفسه مثل العلوم الطبيعية، والدقة بالنسبة لكارل بوبر لاحقة الوضوح حيث يرفض التقليد واطلاق المفاهيم الغامضة، ويقول أن المبالغة والإغراق في تدقيق العبارات يكون في الواقع إعاقة للنظرية، وموقف بوبر مضاد للنزعة الماهاوية وهو تيار فلسفي يعتقدون أن الكلمات المستعملة بشكل كوني تمثل أشياء كونية توجد باستقلال عن حالاتها الخاصة، وتمثل أطروحة وحدة المنهج ذات أهمية لدى بوبر حيث يؤكد أن العلوم الاجتماعية تكشف عن مسار العلوم الطبيعية نفسه ولا سيما المحاولة والخطأ والتخمين والتنفيذ، ويعتقد بأن نوعي العلوم الاجتماعية والطبيعية لا يمكن الفصل بينهما فهما يتبعان سيرورة التخمين والدحض للاقتراب من الحقيقة ولصياغة النظرية، وتحدث عن أهمية علم الاقتصاد للعلوم الاجتماعية وأن هناك نظريات اقتصادية تأخذ برأي  بعض العلوم الاجتماعية، كما أشار للمنهج الاستنباطي للتعميم وأن العلوم الفيزيائية والعلوم الاجتماعية تستعمل نفس المنهج والبناء المنهجي الذي له خاصية القابلية للاستدراك وفهم الواقع، وقد أكد بوبر أن العلوم الطبيعية التي تدرس الطبيعة والعلوم الانسانية التي تدرس الانسان في ظل النسيج العلائقي تتبع المنهج نفسه أي المنهج الاستنباطي وهذا ما يسميه وحدة المنهج فيما بين العلوم(بوافي،2013م39-43).

تقديم عن النظرية لدى كارل بوبر:

النظرية عند كارل بوبر لها لغة رمزية مجردة وأنها تأتي كفرض من وضع العالم  وليست استقراء من الواقع حيث يرى أن الاستنباط بلغته الرمزية له دور أمثل في منهج العلم.

 

وبعد استعراض النظرية بشكل عام ننتقل للحديث عن نظرية المعرفة  التي تعد من أهم المباحث الفلسفية التي تأثرت بنتائج العلم المعاصر حتى أنها تحولت إلى نقد المعرفة العلمية بوصفها من أهم أنواع المعرفة الإنسانية، حيث تبحث في الطبيعة الانسانية ومصدرها والقيم الموضوعية.

اهتم العالم (كارل بوبر) بنظرية المعرفة اهتماماً تجلى في كتاباته، فالمعرفة عنده قائمة ويدور معظم انتاجه الفكري حول كيفية تطوير المعرفة، ويركز على مصادر المعرفة هل هي عقلية أم تجريبية ليرد على هذا التساؤل بأنها عقلية وتجريبية على أن لا يكون لأحد أسبقية فالمصادر العقلية والتجريبية هامة للمعرفة.

وقد حدد بوبر عدة نقاط للمعرفة بدأً من المعرفة الفطرية وأهميتها والتقليد والنقل والتجريب والملاحظة ويشير لأهمية أنه ليس هناك مصادر نهائية للمعرفة ويمكن قبول كل مصدر، فالتعمق والتعلم من الخطأ مهم لاكتساب المعارف في شتى مجالات الحياة.

 

نظرية المعرفة من الذاتية إلى الموضوعية:

إن المعرفة الحسية تشكل نقطة بداية لدى معظم الفلاسفة ولكن كارل بوبر قام بانتقادها واعتبرها مجرد تشويش واضطراب بسيط على الرغم من أنها قدمت الأساس المنطقي لمعظم النظريات الفلسفية الحديثة عن المعرفة.

وقال بوبر أن النظرية الحسية هي نظرية بسيطة حيث يمكننا معرفة ما حولنا من العالم والتمعن به واكتشافه بحواسنا والتعرف عليه ومن ثم الدخول الى عقولنا وقد أطلق على هذه النظرية نظرية دلو العقل وهي تجعل عقولنا مثل الدلو عندما يكون فارغاً ثم تدخل إليه المادة من خلال حواسنا وتتراكم ويتم استيعابها، وقد صاغ كارل بوبر نظرية الدلو ضمن جملة من الأشياء: وهي :

1-   أن المعرفة تتكون من أشياء مثل الأفكار والبيانات الحسية والعناصر والتجارب.

2-   تتكون المعرفة من الأشياء التي وصلت إلينا وتم استيعابها.

3-   أن هناك معرفة مباشرة مكونه من عناصر المعلومات الخالصة والتي وصلت إلينا وما زلنا لا نستوعبها.

يرى بوبر أن معرفتنا الذاتية للواقع تتكون من الميول والنزعات الفطرية الموروثة وبالتالي فإن الحقائق المرتبطة بالصدق أو اليقين هي نظرية خاطئة، وقد وجد أن المعرفة يجب أن تصاغ في معناها الموضوعي التي تتكون بدورها من توقعات مصاغة لغوياً وخاضعة للمناقشة النقدية، كما يشير إلى دور الصدق في إطار الموضوعية للمعرفة لأنه يرى أن للنظرية العلمية دلالة إخبارية، فلا بد من الحكم عليها تبعاً لصدق الخبر أو كذبه، ولأن وظيفة العلم هي البحث المتواصل عن الحقيقة(جمول،2011م:32-33).

وقد أوضح بوبر في كتابه (المجتمع المفتوح وعقيدته) بأن المعرفة الاجتماعية لا تتبلور من الفراغ بل من خلال البيئة والظروف الاجتماعية، وأن ملاحظاتها لا تخضع للملاحظة لأنها انغرست وعاشت في ذوات الأفراد ثم خرجت على شكل سلوك ومنطق، ويمكن القول بأن علم اجتماع المعرفة يقول بعمل اصلاحي وعلاجي للعلوم الاجتماعية لأنه يبحث في المعرفة الحقة التي لا تتوفر إلا عند المفكر المتحرر من العقائد المترسخة في شعوره بعيدة عن مؤثرات أنظمة مجتمعه(Poper,1957 p21).

ولتوضيح المعرفة الاجتماعية عند كارل بوبر نستعرض فيما يلي المفاصل الهيكلية للنظرية :

أولاً/ المتغيرات وتشمل المؤثرات البيئية والظرف الاجتماعية، والمتغير المعتمد الذي هو عبارة عن سلوك ومنطق الفرد.

ثانياً/المفاهيم وتتمثل في المعرفة الساذجة وهي سلوك ومنطق افرد المترجم عن المؤثرات الاجتماعية المنغرسة في ذاته وخالية من التحليل والنقد والمضاهاة، والمعرفة الحقة وهي تلك المعرفة التي لا تتوفر إلا عند المفكر المتحرر من العقائد المترسخة في اللا شعور.

ثالثا/ القضايا وتتمثل في المعرفة الاجتماعية التي لا تمثل حقائق ثابته، والتطور التاريخي الذي لا يتبلور مرة واحدة بل من عدة مراحل واشكال، والطبقات الاجتماعية التي تتبلور نتيجة التطور التاريخي لها.

رابعاً/ القانون، حيث لا توجد طبقة واحدة أو روحاً واحدة داخل المجتمع بل هناك أرواح وطبقات متعددة في المجتمع(العمر، 2007م: 176).

أنواع المعرفة: لقد ميز الفلاسفة بين أنواع المعرفة كما يلي:

1-               المعرفة القضوية والمعرفة غير القضوية (معرفة أن ومعرفة كيف)، ويقصد بمعرفة (أن) أن شيئا ما يكون كذا، ومن أمثلتها أن الباب مغلق وهذه قضية فالجملة الاخبارية التي تخبر عن شي عن الواقع يحتمل الصدق أو الكذب. أما المعرفة غير القضوية فتتمثل في الإدارك المباشر لشئ ما أو الإلمام به وهي معرفة كيف بمعني كيف ينجز المرء فعلاً.

2-               المعرفة بالإدراك المباشر والمعرفة بالوصف، ويقصد به التمييز بين معرفة الحقائق ومعرفة الأشياء التي تنقسم إلى المعرفة بالإدراك المباشر وهي من الحواس، والمعرفة بالوصف وهي وصف الأشياء بطريقة معينة كوصف شيء ما.

3-               التمييز بين المعرفة الأولية والمعرفة البعدية، وتمثل في المعرفة التجريبية والحقائق الأولية التي تدرك عن طريق الحدس(جميل،2012م:16-17).

 

دور اللغة في المعرفة:

يؤكد بوبر على أن اللغة هي أهم صناعات الإنسان ومن أهم آثار التغذية الراجعة على أنفسنا وعقولنا ويقول أن أول من أهتم باللغة هم الفلاسفة الواقيون الذين طوروا بصورة عجيبة فلسفة اللغة  وأن اللغة تنتمي إلى إذ عندما تكون من الأفعال المادية والرموز المادية فهي تنتمي إلى العالم الأول وعندما تعبر عن حالة ذاتية أو سيكولوجية أو عندما تعبر عن فهم أو استيعاب لغوي تتضمن تغيراً في حالتنا الذاتية فهي تنتمي إلى العالم الثاني وعندما تحتوي على معلومات تقال أو توصف فتمثل فروضاً ونظريات وعبارات فإنها تنتمي إلى العالم الثالث.

ويضيف بوبر بأن اللغة تقوم بوظيفتين هما : الوصفية والجدلية وتشترك اللغات البشرية والحيوانية في أدنى وظيفتين هما: التعبير عن الذات والرموز أو الإشارات(جمول،2011: 45-47).

الأبعاد التي يمكن من خلالها الكشف عن صدق أو كذب أي نظرية معرفية من وجهة نظر كارل بوبر:

1-     البعد الأول: هو مدى منتطقيتها.

2-     البعد الثاني: الشكل المنطقي لها.

3-     البعد الثالث: الوقوف على القدرة النظرية من خلال مقارنتها بالنظريات الأخرى.

4-     قدرتها على اختبار النتائج التجريبية التي تستنبط منها.

والملاحظ لهذه الأبعاد يستطيع الاستدلال منها على أنها جاءت كبديل طبيعي لقبول الخطأ ونسبية المعرفة(الخواجة، 2014م:20).

 مما سبق ذكره يمكن أن نلخص آراء كارل بوبر حيال نظرية المعرفة من الإستقراء ونقدها، كما يلي:

1-       يسلم بالشبهة التي قالها ديفيد هيوم في معارضة الدليل الإستقرائي.

2-       يعوّل على الفرض الإستنباطي، مشابهاً أنيشتاين حين ذهب إلى ذلك في معارضة الطريقة الإستقرائية كمنهج.

3-       يعتبر بوبر ان حالات التأييد الإستقرائي لا تحسم نتائج القضايا العلمية، خلافاً لحالات التكذيب، رغم أنه يعتبر القضايا العلمية هي إحتمالية على الدوام.

4-       تعتمد نظريته على الإختبارات التي يمكن أن تكذب النظرية، دون البحث عما يؤيدها. فالنظريات العلمية لا تقبل التبرير والتحقيق، بل تقبل الإختبار من حيث صمودها أمام الإختبارات الشاقة والتفصيلية.

5-       يقوم العلم على مبدأ القابلية على التكذيب. فالقضية العلمية لها هذه القابلية، خلافاً للقضية غير العلمية، فقد تكون ميتافيزيقية كالسببية مثلاً.

ومن النقد الموجه لآراء بوبر كما يلي:

1-               ان العمل العلمي يمارس الطريقة الإستقرائية، سواء في البدء أو المنتهى، ففي البدء لا يمكن عزل الفرض العلمي عن السوابق من الخبرة والملاحظات التي يمكن توظيفها لدعم الفرض، بوعي وبغير وعي، أما في المنتهى فلا يعقل ان لا يكون للتأييد دور في دعم النظرية العلمية، وبوبر لا ينكر ذلك لكنه يخفف من أهميته قبال التكذيب.

2-               ليس الشاهد التكذيبي معول عليه في ابطال النظرية العلمية دائماً، بل قد يتحول إلى نوع من التأييد للنظرية مثلما هو الحال مع انحراف يورانوس واكتشاف نبتون.

3-               قد تتنافس نظريتان علميتان من دون علاقة بمبدأ التكذيب، كالتصور القائم على المذهب الاصطلاحي في تنافس النظريتين الاقليدية واللااقليدية.

4-               يفترض بوبر أن الطبيعة مضطردة كمبدأ ميتافيزيقي باعتباره لا يقبل التكذيب، مع أنه مستنتج بالطريقة الإستقرائية.

5-               إن أهم مبدأ معول عليه اليوم في ترجيح النظرية العلمية هو مبدأ البساطة، وهو لا يتنافى مع الشواهد المناقضة أو الشاذة، خلافاً لمبدأ التكذيب.

6-               إن إعتبار القضايا العلمية إحتمالية وان بعضها يقوم على البعض الآخر يفضي بالنتيجة إلى القيمة الصفرية والارتداد اللانهائي(الانترنت 4).

المنهج النقدي لدى كارل بوبر

من المهم أن نشير إلى ما قدمه كارل بوبر الذي يعد من فلاسفة العلم المعاصرين من نقد لمنهج البحث في العلوم الطبيعية في ضوء الاتجاهات المعاصرة وذلك من خلال مؤلفاته التي تعد ذات طابع منهجي ومنها منطق الكشف العلمي، حدوس وتفنيدات، المعرفة الموضوعية والتي تتفق على مناقشة الاستقراء وتنتهي بنقده

فقد أشار في كتابه منطق الكشف العلمي أن التساؤل عن المنهج العلمي وقواعده ومدى حاجتنا إليه يرتبط إلى حد كبير بمسألة نمو العلم وذلك يبين مدى ارتباطه بمعيار القابلية للتكذيب كبديل للاستقراء  لتمييز نظريات العلم عن غيرها.

يصف بوبر منهجه بأنه استنباطي يعتمد على التوصل إلى نتائج بطريق منطقي بحت في مقابل الاستقراء الذي يعتمد على البيانات والوقائع الجزئية ويشير بوبر إلى أن التعارض بين الاستنباط والاستقراء يناظر التمييز بين المذهب العقلي والتجريبي ويقدم بأن صدق المقدمات ينتقل إلى نتيجة وأن كذب النتيجة فهو يعود إلى المقدمات وخرج بذلك بقانون انتقال الصدق وقانون انتقال الكذب ويرى بوبر أن هذه القوانين هي أساسية لنظرية الاستنباط، وأن الاستدلال الاستنباطي مثله مثل الصدق موضوعي ومجرد(ضيف الله،2006م: 26-27).


قراءة مُثرية ودُمتم بخير 


المراجع :

الكتب والرسائل العملية

1)     بوافي، يحي (2013م) أسطورة الإطار لكارل بوبر، ترجمة يمني الخولي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.

2)     جميل, عصام زكريا(2012م) اتجاهات معاصرة في نظرية المعرفة، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة, عمان.

3)     جمول, إبراهيم علي(2011م), نظرية المعرفة العلمية بين المنهج والتطبيق, الهيئة العامة السورية للكتاب, وزارة الثقافة, دمشق.

4)     الخواجة, محمد ياسر(2014م), علم اجتماع المعرفة, دار الفكر العربي, الطبعة الأولى, القاهرة.

5)     ضيف الله، خوني (2006م)، المنهج النقدي عند كارل بوبر، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر.

6)     عوض, السيد حنفي(1985م) علم اجتماع المعرفة، الطبعة الأولى, دار الشروق للنشر والتوزيع، الأردن، عمان.

7)     قاسم, محمد محمد (1986م), كارل بوبر ـ نظرية المعرفة في ضوء المنهج العلمي ـ دار المعرفة الجامعية, مصر, الاسكندرية.

 

الانترنت

1.     https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%84_%D8%A8%D9%88%D8%A8%D8%B1

2.     http://www.mohamedrabeea.com/books/book1_5434.pdf

3.     http://shazaraaat.blogspot.com/2015/01/blog-post.html

4.     http://www.philosophyofsci.com/index.php?id=84

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بك.

أحدث المشاركات

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

عن المدونة

author SOCIAL RESEARCHER مدونة الدكتور عادل بن عبدالرحمن الخضيري